سورة الشورى - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشورى)


        


{حَمَ}. {عَسَقَ} لعله اسمان للسورة ولذلك فصل بينهما وعدا آيتين، وإن كانا اسماً واحداً فالفصل ليطابق سائر الحواميم، وقرئ: {حم سق}.
{كَذَلِكَ يُوحِى إِلَيْكَ وَإِلَى الذين مِن قَبْلِكَ الله العزيز الحكيم} أي مثل ما في هذه السورة من المعاني، أو إيحاء مثل إيحائها أوحى الله إليك وإلى الرسل من قبلك، وإنما ذكر بلفظ المضارع على حكاية الحال الماضية للدلالة على استمرار الوحي وأن إيحاء مثله عادته، وقرأ ابن كثير {يُوحَى} بالفتح على أن كذلك مبتدأ و{يُوحَى} خبره المسند إلى ضميره، أو مصدر و{يُوحَى} مسند إلى إليك، و{الله} مرتفع بما دل عليه {يُوحَى}، و{العزيز الحكيم} صفتان له مقررتان لعلو شأن الموحى به كما مر في السورة السابقة، أو بالابتداء كما في قراءة {نوحي} بالنون و{العزيز} وما بعده أخبار أو {العزيز الحكيم} صفتان. وقوله: {لَّهُ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض وَهُوَ العلى العظيم} خبران له وعلى الوجوه الأخر استئناف مقرر لعزته وحكمته.
{تَكَادُ السموات} وقرأ نافع والكسائي بالياء. {يَتَفَطَّرْنَ} يتشققن من عظمة الله، وقيل من ادعاء الولد له. وقرأ البصريان وأبو بكر {ينفطرن} بالنون والأول أبلغ لأنه مطاوع فطر وهذا مطاوع فطر، وقرئ: {تتفطرن} بالتاء لتأكيد التأنيث وهو نادر. {مِن فَوْقِهِنَّ} أي يبتدئ الانفطار من جهتهن الفوقانية، وتخصيصها على الأول لأن أعظم الآيات وأدلها على علو شأنه من تلك الجهة، وعلى الثاني ليدل على الانفطار من تحتهن بالطريق الأولى. وقيل الضمير للأرض فإن المراد بها الجنس. {والملائكة يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِى الأرض} بالسعي فيما يستدعي مغفرتهم من الشفاعة والإِلهام وإعداد الأسباب المقربة إلى الطاعة، وذلك في الجملة يعم المؤمن والكافر بل لو فسر الاستغفار بالسعي فيما يدفع الخلل المتوقع عم الحيوان بل الجماد، وحيث خص بالمؤمنين فالمراد به الشفاعة. {أَلاَ إِنَّ الله هُوَ الغفور الرحيم} إذ ما من مخلوق إلا وهو ذو حظ من رحمته، والآية على الأول زيادة تقرير لعظمته وعلى الثاني دلالة على تقدسه عما نسب إليه، وإن عدم معاجلتهم بالعقاب على تلك الكلمة الشنعاء باستغفار الملائكة وفرط غفران الله ورحمته.
{والذين اتخذوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} شركاء وأنداداً. {الله حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ} رقيب على أحوالهم وأعمالهم فيجازيهم بها. {وَمَا أَنتَ} يا محمد. {عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} بموكل بهم أو بموكول إليك أمرهم.
{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْءاناً عَرَبِيّاً} الإِشارة إلى مصدر {يُوحِى} أو إلى معنى الآية المتقدمة، فإنه مكرر في القرآن في مواضع جمة فتكون الكاف مفعولاً به و{قُرْءاناً عَرَبِيّاً} حال منه.
{لّتُنذِرَ أُمَّ القرى} أهل أم القرى وهي مكة شرفها الله تعالى. {وَمَنْ حَوْلَهَا} من العرب. {وَتُنذِرَ يَوْمَ الجمع} يوم القيامة يجمع فيه الخلائق أو الأرواح أو الأشباح، أو العمال والأعمال وحذف ثاني مفعول الأول وأول مفعولي الثاني للتهويل وإيهام التعميم، وقرئ: {لينذر} بالياء والفعل (للقرآن). {لاَ رَيْبَ فِيهِ} اعتراض لا محل له من الإعراب. {فَرِيقٌ فِى الجنة وَفَرِيقٌ فِى السعير} أي بعد جمعهم في الموقف يجمعون أولاً ثم يفرقون، والتقدير منهم فريق والضمير للمجموعين لدلالة الجمع عليه، وقرئا منصوبين على الحال منهم أي وتنذر يوم جمعهم متفرقين بمعنى مشارفين للتفرق، أو متفرقين في داري الثواب والعقاب.
{وَلَوْ شَاءَ الله لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحدة} مهتدين أو ضالين. {ولكن يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِى رَحْمَتِهِ} بالهداية والحمل على الطاعة. {والظالمون مَا لَهُمْ مّن وَلِىّ وَلاَ نَصِيرٍ} أي يدعهم بغير ولي ولا نصير في عذابه، ولعل تغيير المقابلة للمبالغة في الوعيد إذ الكلام في الإِنذار.
{أَمِ اتخذوا} بل اتخذوا. {مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} كالأصنام. {فالله هُوَ الولى} جواب لشرط محذوف مثل إن أرادوا أولياء بحق فالله هو الولي بالحق. {وَهُوَ يُحْيِى الموتى وَهُوَ على كُلِّ شَئ قَدِيرٌ} كالتقرير لكونه حقيقاً بالولاية.
{وَمَا اختلفتم} أنتم والكفار. {فِيهِ مِن شَئ} من أمر من أمور الدنيا أو الدين. {فَحُكْمُهُ إِلَى الله} مفوض إليه يميز المحق من المبطل بالنصر أو بالإثابة والمعاقبة. وقيل: {وَمَا اختلفتم فِيهِ} من تأويل متشابه فارجعوا فيه إلى المحكم من كتاب الله. {ذَلِكُمُ الله رَبّى عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} في مجامع الأمور. {وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} إليه أرجع في المعضلات.


{فَاطِرُ السموات والأرض} خبر آخر ل {ذلكم} أو مبتدأ خبره. {جَعَلَ لَكُمُ} وقرئ بالجر على البدل من الضمير أو الوصف لإلى الله. {مّنْ أَنفُسِكُمْ} من جنسكم. {أزواجا} نساء. {وَمِنَ الأنعام أزواجا} أي وخلق للأنعام من جنسها أزواجاً، أو خلق لكم منَّ الأنعام أصنافاً أو ذكوراً وأناثاً. {يَذْرَؤُكُمْ} يكثركم من الذرء وهو البث وفي معناه الذر والذرو والضمير على الأول للناس، و{الأنعام} على تغليب المخاطبين العقلاء. {فِيهِ} في هذا التدبير وهو جعل الناس والأنعام أزواجاً يكون بينهم توالد، فإنه كالمنبع للبث والتكثير. {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَئ} أي ليس مثله شيء يزاوجه ويناسبه، والمراد من مثله ذاته كما في قولهم: مثلك لا يفعل كذا، على قصد المبالغة في نفيه عنه فإنه إذا نفى عمن يناسبه ويسد مسده كان نفيه عنه أولى، ونظيره قول رقيقة بنت صيفي في سقيا عبد المطلب: أَلاَ وَفِيهِمْ الطَّيِّبُ الطَاهِرُ لِذَاتِهِ. ومن قال الكاف فيه زائدة لعله عنى أنه يعطى معنى {لَّيْسَ مّثْلِهِ} غير أنه آكد لما ذكرناه. وقيل: {مثله} صفته أي ليس كصفته صفة. {وَهُوَ السميع البصير} لكل ما يسمع ويبصر.
{لَّهُ مَقَالِيدُ السموات والأرض} خزائنها. {يَبْسُطُ الرزق لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقَدِرُ} يوسع ويضيق على وقف مشيئته. {إِنَّهُ بِكُلّ شَئ عَلِيمٌ} فيفعله على ما ينبغي.
{شَرَعَ لَكُم مّنَ الدين مَا وصى بِهِ نُوحاً والذى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وموسى وعيسى} أي شرع لكم من الدين دين نوح ومحمد عليهما الصلاة والسلام ومن بينهما من أرباب الشرائع، وهو الأصل المشترك فيما بينهم المفسر بقوله: {أَنْ أَقِيمُواْ الدين} وهو الإِيمان بما يجب تصديقه والطاعة في أحكام الله ومحله النصب على البدل من مفعول {شَرَعَ}، أو الرفع على الاستئناف كأنه جواب وما ذلك المشروع أو الجر على البدل من هاء به. {وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ} ولا تختلفوا في هذا الأصل أما فروع الشرائع مختلفة كما قال: {لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً ومنهاجا} {كَبُرَ عَلَى المشركين} عظم عليهم. {مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} من التوحيد. {الله يَجْتَبِى إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ} يجتلب إليه والضمير لما تدعوهم أو للدين. {وَيَهْدِى إِلَيْهِ} بالإِشارة والتوفيق. {مَن يُنِيبُ} يقبل إليه.
{وَمَا تَفَرَّقُواْ} يعني الأمم السالفة. وقيل أهل الكتاب لقوله: {وَمَا تَفَرَّقَ الذين أُوتُواْ الكتاب} {إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ العلم} العلم بأن التفرق ضلال متوعد عليه، أو العلم بمبعث الرسل عليهم الصلاة والسلام، أو أسباب العلم من الرسل والكتب وغيرهما فلم يلتفتوا إليها. {بَغْياً بَيْنَهُمْ} عداوة أو طلباً للدنيا. {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَّبّكَ} بالإِمهال.
{إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} هو يوم القيامة أو آخر أعمارهم المقدرة. {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} باستئصال المبطلين حين اقترفوا لعظم ما اقترفوا. {وَإِنَّ الذين أُورِثُواْ الكتاب مِن بَعْدِهِمْ} يعني أهل الكتاب الذين كانوا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، أو المشركين الذين أورثوا القرآن من بعد أهل الكتاب. وقرئ: {ورثوا} و{ورثوا}. {لَفِى شَكٍّ مّنْهُ} من كتابهم لا يعلمونه كما هو أو لا يؤمنون به حق الإيمان، أو من القرآن. {مُرِيبٍ} مقلق أو مدخل في الريبة.
{فَلِذَلِكَ} فلأجل ذلك التفرق أو الكتاب، أو العلم الذي أوتيته. {فادع} إلى الاتفاق على الملة الحنيفية أو الاتباع لما أوتيت، وعلى هذا يجوز أن تكون اللام في موضع إلى لإِفادة الصلة والتعليل. {واستقم كَمَا أُمِرْتَ} واستقم على الدعوة كما أمرك الله تعالى. {وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} الباطلة. {وَقُلْ ءَامَنتُ بِمَا أَنزَلَ الله مِن كتاب} يعني جميع الكتب المنزلة لا كالكفار الذين آمنوا ببعض وكفروا ببعض. {وَأُمِرْتُ لأَِعْدِلَ بَيْنَكُمُ} في تبليغ الشرائع والحكومات، والأول إشارة إلى كمال القوة النظرية وهذا إشارة إلى كمال القوة العملية. {الله رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ} خالق الكل ومتولي أمره. {لَنَا أعمالنا وَلَكُمْ أعمالكم} وكل مجازى بعمله. {لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ} لا حجاج بمعنى لا خصومة إذ الحق قد ظهر ولم يبق للمحاجة مجال ولا للخلاف مبدأ سوى العناد. {الله يَجْمَعُ بَيْنَنَا} يوم القيامة. {وَإِلَيْهِ المصير} مرجع الكل لفصل القضاء، وليس في الآية ما يدل على متاركة الكفار رأساً حتى تكون منسوخة بآية القتال.
{والذين يُحَآجُّونَ فِى الله} في دينه. {مِن بَعْدِ مَا استجيب لَهُ} من بعد ما استجاب له الناس ودخلوا فيه، أو من بعد ما استجاب الله لرسوله فأظهر دينه بنصره يوم بدر، أو من بعد ما استجاب له أهل الكتاب بأن أقروا بنبوته واستفتحوا به. {حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبّهِمْ} زائلة باطلة. {وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ} لمعاندتهم. {وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} على كفرهم.
{الله الذى أَنزَلَ الكتاب} جنس الكتاب. {بالحق} ملتبساً بعيداً من الباطل، أو بما يحق إنزاله من العقائد والأحكام. {والميزان} والشرع الذي توزن به الحقوق ويسوى بين الناس، أو العدل بأن أنزل الأمر به أو آلة الوزن بأن أوحى بإعدادها. {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعة قَرِيبٌ} إتيانها فاتبع الكتاب واعمل بالشرع وواظب على العدل قبل أن يفاجئك اليوم الذي توزن فيه أعمالك وتوفى جزاءك، وقيل تذكير القريب لأنه بمعنى ذات قرب، أو لأن الساعة بمعنى البعث.
{يَسْتَعْجِلُ بِهَا الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا} استهزاء. {والذين ءَامَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا} خائفون منها مع اغتيابها لتوقع الثواب. {وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الحق} أي الكائن لا محالة.
{أَلآَ إِنَّ الذين يُمَارُونَ فِى الساعة} يجادلون فيها من المرية، أو من مريت الناقة إذا مسحت ضرعها بشدة للحلب لأن كلاً من المتجادلين يستخرج ما عند صاحبه بكلام فيه شدة. {لَفِى ضلال بَعِيدٍ} عن الحق فإن البعث أشبه الغائبات إلى المحسوسات، فمن لم يهتد لتجويزه فهو أبعد عن الاهتداء إلى ما وراءه.
{الله لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ} بر بهم بصنوف من البر لا تبلغها الأفهام. {يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ} أي يرزقه كما يشاء فيخص كلاً من عباده بنوع من البر على ما اقتضته حكمته. {وَهُوَ القوى} الباهر القدرة. {العزيز} المنيع الذي لا يغلب.


{مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الأخرة} ثوابها شبهه بالزرع من حيث أنه فائدة تحصل بعمل ولذلك قيل: الدنيا مزرعة الآخرة، والحرث في الأصل إلقاء البذر في الأرض ويقال للزرع الحاصل منه. {نَزِدْ لَهُ فِى حَرْثِهِ} فنعطه بالواحد عشراً إلى سبعمائة فما فوقها. {وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدنيا نُؤْتِهِ مِنْهَا} شيئاً منها على ما قسمنا له. {وَمَا لَهُ فِى الأخرة مِن نَّصِيبٍ} إذ الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى.
{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ} بل ألهم شركاء، والهمزة للتقرير والتقريع وشركاؤهم شياطينهم. {شَرَعُواْ لَهُمْ} بالتزيين. {مّنَ الدين مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ الله} كالشرك وإنكار البعث والعمل للدنيا. وقيل شركاؤهم أوثانهم وإضافتها إليهم لأنهم متخذوها شركاء، وإسناد الشرع إليها لأنها سبب ضلالتهم وافتتانهم بما تدينوا به، أو صور من سنة لهم. {وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الفصل} أي القضاء السابق بتأجيل الجزاء، أو العدة بأن الفصل يكون يوم القيامة. {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} بين الكافرين والمؤمنين، أو المشركين وشركائهم. {وَإِنَّ الظالمين لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقرئ: {أن} بالفتح عطفاً على كلمة {الفصل} أي {وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الفصل} وتقدير عذاب الظالمين في الآخرة لقضي بينهم في الدنيا، فإن العذاب الأليم غالب في عذاب الآخرة.
{تَرَى الظالمين} في القيامة. {مُشْفِقِينَ} خائفين. {مِمَّا كَسَبُواْ} من السيئات. {وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ} أي وباله لاحق بهم أشفقوا أو لم يشفقوا. {والذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فِى روضات الجنات} في أطيب بقاعها وأنزهها. {لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبّهِمْ} أي ما يشتهونه ثابت لهم عند ربهم. {ذلك} إشارة إلى المؤمنين. {هُوَ الفضل الكبير} الذي يصغر دونه ما لغيرهم في الدنيا.
{ذَلِكَ الذى يُبَشّرُ الله عِبَادَهُ الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} ذلك الثواب الذي يبشرهم الله به فحذف الجار ثم العائد، أو ذلك التبشير الذي يبشره الله عباده. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي {يُبَشّرُ} من بشره وقرئ: {يُبَشّرُ} من أبشره. {قُل لاَّ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ} على ما أتعاطاه من التبليغ والبشارة. {أَجْراً} نفعاً منكم. {إِلاَّ المودة فِى القربى} أي تودوني لقرابتي منكم، أو تودوا قرابتي، وقيل الاستثناء منقطع والمعنى: لا أسألكم أجراً قط ولكني أسألكم المودة، و{فِى القربى} حال منها أي {إِلاَّ المودة} ثابتة في ذوي {القربى} متمكنة في أهلها، أو في حق القرابة ومن أجلها كما جاء في الحديث: «الحب في الله والبغض في الله» روي: أنها لما نزلت قيل يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت مودتهم علينا قال: «علي وفاطمة وابناهما» وقيل: {القربى} التقرب إلى الله أي إلا أن تودوا الله ورسوله في تقربكم إليه بالطاعة والعمل الصالح، وقرئ: {إلا مودة في القربى}. {وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً} ومن يكتسب طاعة سيما حب آل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ومودته لهم. {نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً} في الحسنة بمضاعفة الثواب، وقرئ: {يزد} أي يزد الله وحسنى. {إِنَّ الله غَفُورٌ} لمن أذنب. {شَكُورُ} لمن أطاع بتوفية الثواب والتفضل عليه بالزيادة.
{أَمْ يَقُولُونَ} بل أيقولون. {افترى عَلَى الله كَذِبًا} افترى محمد بدعوى النبوة أو القرآن. {فَإِن يَشَإِ الله يَخْتِمْ على قَلْبِكَ} استبعاد للافتراء عن مثله بالإِشعار على أنه إنما يجترئ عليه من كان مختوماً على قلبه جاهلاً بربه، فأما من كان ذا بصيرة ومعرفة فلا، وكأنه قال: إن يشأ الله خذلانك يختم على قلبك لتجترئ بالافتراء عليه. وقيل يختم على قلبك يمسك القرآن أو الوحي عنه، أو يربط عليه بالصبر فلا يشق عليك أذاهم. {وَيَمْحُ الله الباطل وَيُحِقُّ الحق بكلماته إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} استئناف لنفي الافتراء عما يقوله بأنه لو كان مفترى لمحقه إذ من عادته تعالى محو الباطل وإثبات الحق بوحيه أو بقضائه أو بوعده، بمحو باطلهم وإثبات حقه بالقرآن، أو بقضائه الذي لا مرد له، وسقوط الواو من {يمح} في بعض المصاحف لاتباع اللفظ كما في قوله تعالى: {وَيَدْعُ الإنسان بالشر} {وَهُوَ الذى يَقْبَلُ التوبة عَنْ عِبَادِهِ} بالتجاوز عما تابوا عنه، والقبول يعدى إلى مفعول ثان بمن وعن لتضمنه معنى الأخذ والإِبانة، وقد عرفت حقيقة التوبة. وعن علي رضي الله تعالى عنه: هي اسم يقع على ستة معان: على الماضي من الذنوب الندامة، ولتضييع الفرائض الإِعادة، ورد المظالم وإذابة النفس في الطاعة كما ربيتها في المعصية وإذاقتها مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية، والبكاء بدل كل ضحك ضحكته. {وَيَعْفُواْ عَنِ السيئات} صغيرها وكبيرها لمن يشاء. {وَيَعْلَمُ مَا يَفْعَلُونَ} فيجازي ويتجاوز عن إتقان وحكمة، وقرأ الكوفيون غير أبي بكر {ما تفعلون} بالتاء.
{وَيَسْتَجِيبُ الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} أي يستجيب الله لهم فحذف اللام كما حذف في {وَإِذَا كَالُوهُمْ} والمراد إجابة الدعاء أو الإِثابة على الطاعة، فإنها كدعاء وطلب لما يترتب عليها. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: «أفضل الدعاء الحمد لله» أو يستجيبون لله بالطاعة إذا دعاهم إليها. {وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ} على ما سألوا واستحقوا واستوجبوا له بالاستجابة. {والكافرون لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} بدل ما للمؤمنين من الثواب والتفضل.
{وَلَوْ بَسَطَ الله الرزق لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِى الأرض} لتكبروا وأفسدوا فيها بطراً، أو لبغى بعضهم على بعض استيلاء واستعلاء وهذا على الغالب، وأصل البغي طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرى كمية أو كيفية.
{ولكن يُنَزّلُ بِقَدَرٍ} بتقدير. {مَا يَشَاء} كما اقتضته مشيئته. {إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرُ بَصِيرٌ} يعلم خفايا أمرهم وجلايا حالهم فيقدر لهم ما يناسب شأنهم. روي أن أهل الصفة تمنوا الغنى فنزلت. وقيل في العرب كانوا إذا أخصبوا تحاربوا وإذا أجدبوا انتجعوا.
{وَهُوَ الذى يُنَزّلُ الغيث} المطر الذي يغيثهم من الجدب ولذلك خص بالنافع، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم {يُنَزّلُ} بالتشديد. {مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ} أيسوا منه، وقرئ بكسر النون. {وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ} في كل شيء من السهل والجبل والنبات والحيوان. {وَهُوَ الولى} الذي يتولى عباده بإحسانه ونشر رحمته. {الحميد} المستحق للحمد على ذلك.
{وَمِنْ ءاياته خَلْقُ السموات والأرض} فإنها بذاتها وصفاتها تدل على وجود صانع قادر حكيم. {وَمَا بَثَّ فِيهِمَا} عطف على {السموات} أو ال {خلقُ}. {مِن دَابَّةٍ} من حي على إطلاق اسم المسبب على السبب، أو مما يدب على الأرض وما يكون في أحد الشيئين يصدق أن فيها في الجملة. {وَهُوَ على جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ} أي في أي وقت يشاء. {قَدِيرٌ} متمكن منه و{إِذَا} كما تدخل على الماضي تدخل على المضارع.
{وَمَا أصابكم مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} فبسبب معاصيكم، والفاء لأن {مَا} شرطية أو متضمنة معناه، ولم يذكرها نافع وابن عامر استغناء بما في الباء من معنى السببية. {وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ} من الذنوب فلا يعاقب عليها. والآية مخصوصة بالمجرمين، فإن ما أصاب غيرهم فلأسباب أخر منها تعريضه للأجر العظيم بالصبر عليه.

1 | 2